من بين كل الممالك القديمة التي أحاطت بالجزيرة العربية وبلاد الشام.. تبرز مملكة سبأ، كأحد أهم هذه الممالك، والتي سيطرت على المشهد السياسي في جنوب شبه الجزيرة العربية -اليمن في الوقت الحالي .. إلا أن أغلب المصادر تتفق على قيام مملكة سبأ في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد، وقد استمرّ حكمها حتى القرون الأولى بعد الميلاد.
يرى كثير من الباحثين في تاريخ اليمن القديم أن مملكة سبأ التي ظهرت جنوب غربي شبه جزيرة العرب، .. هي أقدم الممالك التي عرفها تاريخ المنطقة. ومن المرجح أن استقرارهم هناك بدأ في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
ويعتبر مجتمع سبأ واحداً من أكبر أربع حضارات عاشت في جنوبي الجزيرة العربية،.. ويعتقد أن هؤلاء القوم قد أسسوا مجتمعهم ما بين
1000-750 قبل الميلاد، وانهارت حضارتهم حوالي 550 بعد الميلاد، .. بسبب الهجمات التي دامت قرنين والتي كانوا يتعرضون لها من جانب الفرس والعرب.
اشتهرت مملكة سبأ وشعبها أيضاً بالثراء الفاحش .. وانعكس ذلك بما أظهرته الأدبيات الكلاسيكيّة التي تعود أصولها إلى اليونانيّة والبيزنطيّة والعبرية والعربيّة,,
ولقد ورد في القرآن ذكر جيش سبأ القوي، وتظهر ثقة هذا الجيش بنفسه من خلال كلام قواد الجيش السبئي مع ملكتهم كما ورد في سورة النمل: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ) (النمل: 33)
أقامُ شعبُ سبأ بعض الآثار الخالدة التي ما زال بعضُها ماثلاً إلى وقتنا الحاضر.. ومن هذه الآثار وأشهرها، سدُّها العظيم الذي يُدعى سدّ مأرب.. إذ كان أعجوبةً من عجائب فنّ العمارة في ذلك الوقت .. ويُستنتجُ من بناء سدِّ مأرب وجودُ مُجتمعٍ راقٍ يمتلك قدرات زراعيةٍ، وهندسيةٍ عالية..
لقد كان السبئيون كما تدل الآية الكريمة يعيشون في منطقة مشهورة بجمالها، جنان وكروم، وكانت تقع على طرق التجارة ، لقد كانت على مستوى متقدم جداً بالنسبة لغيرها من مدن ذلك الزمان.
كانت ظروف العيش في بلدة كهذه ممتازة، ولم يكن للقوم من جهد يبذلونه سوى ( كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ) كما تقول الآية، إلا أنهم لم يفعلوا ذلك، بل نسبوا ما يملكونه لأنفسهم، لقد ظنوا أنهم أصحاب هذه البلدة ، وأنهم هم الذين أوجدوا مافيها من الرخاء والازدهار، اختاروا الغرور والتكبر على الشكر والتواضع لله، وكما تقول الآية: ( فَأَعْرَضُوا... ).لأنهم نسبوا كل ما أنعم الله به عليهم لأنفسهم، وأصرُّوا أنه من صنعهم، خسروا كل شيء... لقد أهلك سيلُ العَرِم كلَّ ما صنعت أيديهم.
فبعد أن كانوا اصحاب حضارة كبيرة ..أصبحوا حديثا يروى... وقصة تحكى