فرنان دو ماجلان «مكتشف» العالم
في نهاية القرن الخامس عشر برزت في العالم قوتان كبيرتان، إمبراطوريتان، هما اسبانيا والبرتغال. وقد حددتا هدفا كبيرا لهما آنذاك لم يكن أقل من اكتشاف الأراضي الجديدة. لم يكن ذلك في الأساس بدافع الاكتشاف وتوسيع المعارف، ولكن أولا وبالأحرى زيادة مساحة الرقعة الجغرافية التي كانتا تسيطران عليها والحصول على التوابل بغية بيعها، حيث كانت غالية الثمن جدا ومطلوبة كثيرا في أسواق التبادل. وكان هناك مثل شائع آنذاك يقول: "إن فلانا قويّ مثل كيس من التوابل".
ومن أكبر مكتشفي تلك الفترة والرحّالة عندها "فرنان دو ماجللان"، الرائد الذي كان أول من قام بـ"دورة حول العالم" بواسطة أسطوله الصغير. والمؤرخ والكاتب والروائي الفرنسي باتريك جيرار يكرّس عمله الأخير لهذا الرحلة الذي يرى فيه "مخترع العالم"، كما يقول العنوان الفرعي لسيرة حياته التي يقدمها بصورة رواية تاريخية عن أولئك الذين دعاهم بـ"فرسان الحر" معتبرا أن "فرنان دو ماجلان" هو أحد أكثرهم عظمة.
هذا الكتاب هو مزيج من أدب الرحلات ومن التأملات حول اكتشاف العالم في القرن السادس عشر. لكن مادته "مأخوذة" من مغامرات "فرنان دو ماجلان". ويحاول المؤلف أن يجيب عن السؤال التالي: ما الذي يدفع إنسانا إلى المغامرة بحياته في مغامرات ليست معروفة العواقب؟
وسؤال آخر: هل السبب وراء ذلك هو الكسب أو الثراء الفاحش أو البحث عن المجد أو بدافع الفضول أم أن هناك أسبابا أخرى؟ إن المعلومات التي يقدمها مؤلف هذا الكتاب عن مغامرة فرنان دو ماجلان، والمصير الذي عرفه، تقدم عناصر للإجابة عن السؤالين المطروحين.
المادة الأساسية التي يعتمد عليها باتريك جيرار هي "الشهادة" التي قدّمها المدعو "بيغافيتا"، الذي كان أحد الناجين النادرين من الرحلات، التي قام بها ماجللان وكان قد أدلى بتلك الشهادة في صورة "مذكرات" كتبها تمجيدا لقائد تلك الرحلات. ومن الميزات الأساسية في ما كتب هو أنه "لم يخترع" شيئا، بل قدّم الوقائع كما عاشها هو ورفاق رحلته، كما قدّم وصفا دقيقا للموانئ وأجوائها ولنمط العلاقات الذي كان قائما بين البحّارة على ظهر السفن.
ما يؤكده المؤلف هو أن فرنان دو ماجلان، كان رجلا شجاعا حادّ الذكاء ويمتلك إرادة وقوة كي يذهب في المشاريع التي يبدأها إلى نهاياتها. والقول انه في اللحظة، التي توفي فيها كان قد أنجز "الاكتشاف الأكبر في حياته"، والذي كان قد سعى إليه دائما، وهو "الوصول إلى الهند عبر الاتجاه غربا". وقد كان، على غرار مواطنه الآخر البرتغالي كريستوف كولومبوس الذي اكتشف أميركا عام 1492 على قناعة بوجود "طريق بحري للوصول إلى الهند".
وبالاعتماد على قدر كبير من التصميم، وبعد التوصل إلى إقناع ملك اسبانيا آنذاك شارلوكان، وإقناع بعض الممولين بأن يقدموا له المبالغ المالية الضرورية، استطاع فرنان دو ماجللان أن يتوصل لاكتشاف "المضيق" الذي يحمل اسمه. إن ذلك بعد رحلة بحرية استمرّت أربعة شهور في المحيط الهادئ.
وكان ماجلان قد لقي مصرعه بمواجهة الفيليبين حاليا أثناء هجوم قام به مع رجاله ضد قبيلة رفضت اعتناق الكاثوليكية. بهذا المعنى يقدم المؤلف فرنان دو ماجلان بمثابة "بطل" ظل مخلصا لمعتقده حتى اللحظات الأخيرة من حياته.
ومن خلال الأحداث التي يقدمها المؤلف في هذا العمل يبدو ماجلان بمثابة رحالة عرف حياة بطولية. ولكن ذلك الرجل "الاستثنائي" نسيه التاريخ إلى حد كبير. ذلك أن وطنه الأصلي البرتغال، اعتبره "خارجا" عنه، وبلده بالتبنّي "اسبانيا" أهمله. وكان ماجللان قد ترعرع في فصول البرتغال وتغذّى بقيم الفروسية. وكان يدغدغه طيلة حياته حلم واحد هو أن يكون أول إنسان يجتاز المحيط الهادئ، الباسفيكي، بجنوب أميركا التي كان كولومبوس قد اكتشفها قبل حوالي 30 سنة والوصول عبر ذلك الطريق إلى "توابل" الهند الشهيرة.
ملوك البرتغال رفضوا، كما يروي مؤلف هذا الكتاب، أن يقدّموا لفرنان دو ماجلان ما كانوا قد رفضوه أيضا قبل ذلك لكريستوف كولومبوس، أي تقديم أسطول من عدة سفن. وكان الحل المتاح أمامه مثلما كان أمام كولومبوس هو اللجوء إلى التاج الاسباني ووضع نفسه في خدمتها ونيل ثقة ملكها. والتغلب في المحصلة على العقبات الكثيرة التي حالت طويلا دون تنفيذ مشروعه- حلمه.
وكان ماجللان هو أحد "فرسان البحر"، كما يصفه المؤلف، وقد عرف أثناء مغامرته البحرية أهوال البحر وغرق بعض سفنه وعصيان البحّارة والجوع واليأس. وأخيرا الموت. ولكنه مع حفنة من بحارته، حققوا، أول دوران حول العالم في تاريخ الإنسانية.
الكتاب: فرنان دو ماجلان «مخترع» العالم
تأليف: باتريك جيرار
الناشر: ايديسيون 1 باريس 2012
الصفحات: 444 صفحة
القطع: المتوسط