تتحدث وسائل الإعلام بشكل مكثف في الآونة الأخيرة عن مخاطر الروبوتات وأنظمة الذكاء الصناعي على بقاء الجنس البشري، أو على الأقل عن تأثيرها مستقبلا على فرص الإنسان في الحصول على الوظائف والأعمال التي اعتاد القيام بها على مر العصور. وتعتبر فكرة ازدياد قوة الروبوتات جذابة ومخيفة في الوقت ذاته، فمن شأن التطور التقني المتصاعد أن يجلب في نهاية الأمر روبوتات قادرة على استبدال القدرات البشرية وأداء مختلف أنواع المهام، بما فيها الأعمال المعقدة التي تحتاج إلى قدرات فكرية وحتى إدارية، أي أن المستقبل قد يشهد تناقص الاعتماد على الإنسان بشكل ربما يؤدي في نهاية الأمر إلى الاستغناء عن خدماته. ولا تعتبر هذه المخاوف حديثة العهد، حيث أشار إليها الحائز على جائزة نوبل الاقتصادي هيربرت سيمون عام 1960، تلاه جيرمي ريفكن في كتابه "نهاية العمل" الصادر عام 1996 والذي أشار فيه إلى أن البرمجيات المتطورة ستؤدي إلى الاستغناء عن الإنسان واستبداله بالروبوتات في إنجاز معظم الأعمال.
روبوت يستعرض مهاراته أمام الصحفيين في العاصمة الإسبانية مدريد [size=10](غيتي-أرشيف)[/size]
مخاوف وفي كتابيهما "السباق ضد الآلة" الصادر عام 2011، و"عصر الآلة الثاني" الصادر عام 2014، تحدث الكاتبان إيريك بريلوفسن وأندرو مكافي عن إمكانيات التقنيات الحديثة في إنجاز معظم الأعمال، وآثار ذلك على مستقبل الإنسان. فعلى سبيل المثال، تستطيع الحواسيب التحكم بالسيارات وتوجيهها في الشوارع، وترجمة اللغات البشرية بشكل فعال، وغير ذلك من الوظائف التي تدل على التقدم التدريجي للتقنيات المتطورة على حساب الإنسان، وهو الأمر الذي تحدث عنه مطولا مارتن فورد في كتابه "صعود الروبوتات" الصادر في مايو/أيار الماضي. ولا تقتصر المخاوف على تلك الواردة في هذه الكتب، حيث شهدت الأشهر القليلة الماضية صدور تصريحات عديدة تحدثت عن ذات المخاوف، أدلى بها علماء ومفكرون ومشاهير على غرار الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ، ومؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس، والرئيس التنفيذي لشركة تيسلا موتورز إلون موسك، وستيف وزنياك أحد مؤسسي شركة آبل.
روبوت كوري تم تطويره لاستخدامه في مناطق الكوارث لإنقاذ البشر [size=10](رويترز)[/size]
مفاضلة يرى فورد في كتابه مشروعية لتلك المخاوف، لكنه يؤكد أيضاً أنها قد تكون خاطئة، فمثلا تحلق طائرة الكونكورد بسرعة أعلى من نظيرتها "بوينغ 767"، لكن هذا لا يعني أن الأولى ستحل محل الأخيرة، حيث لا يكفي عامل الأداء المتقدم لإعطاء تقنية ما أفضلية على حساب أخرى، حيث يجب دراسة الأمر من كافة جوانبه وتحديدا الجانب الاقتصادي، فعلى سبيل المثال، لم تعتمد شركات الطيران على الكونكورد لكونها أكثر تكلفة، وكون البوينغ قادرة على على تقديم أداء مرض. وبشكلٍ مشابه، إن قدرة الحواسيب على الأداء بشكلٍ أفضل من الإنسان لا تعني بالضرورة أنها ستحل محل الإنسان، حيث يبقى للسوق القرار في هذا الأمر، بعد مقارنتها مع الإنسان من عدة نواح، ولا سيما الجدوى الاقتصادية. لكن في الواقع، بدأت التقنيات الحديثة الحلول محل الإنسان في كثير من الجوانب، فمثلاً قللت الحواسيب من الاعتماد على الإنسان في الأعمال المكتبية، كما فعلت أنظمة الصرف الآلي وقلصت من ضرورة الاعتماد على الإنسان في الأعمال المصرفية. لكن في المقابل، تتطلب هذه الحواسيب والأنظمة أعدادا كبيرة من المتخصصين لتطويرها وتنصيبها والإشراف عليها، أي أنها قد تلغي بعض الوظائف من جهة، لتساهم في خلق وظائف جديدة من جهة أخرى. وحتى إن صح الاعتقاد بقدرة الآلة على الحلول محل الإنسان، يبدو أن ذلك لن يتحقق على المدى المنظور، أي قبل أن تتمكن الحواسيب من الاعتناء بنفسها وتطوير وتصنيع نفسها ذاتيا دون الحاجة إلى وجود الإنسان في تلك العملية.